الاتحاد الخليجي حلم الشعوب
الاتحاد الخليجي حلم الشعوب
تاريخ النشر: - مقالات اقتصادية وسياسية

كثر كلام السياسيين والمفكرين والكتاب العقلاء عن الخلل في دول مجلس التعاون الخليجي ، ولكن لازالت اذان أصحاب القرار تصم عن سماع كلام العقلاء وتجابه النصح بالتصدي والمطاردة لكل من ينصح ويوجه ويقرأ المستقبل بشيء من الموضوعية من غير تأثيرات مادية أو ضغوطات سياسية ، الأخطار المحيطة بالخليج باتت واضحة لكل من جرد تفكيره من المصالح الآنية وكان همه مستقبل الأجيال القادمة بل مستقبله القريب ، فالمخاطر الخارجية وانشقاق البيت الخليجي الداخلي ينذر بمستقبل لن يكون مزدهراً إذا ماتم التعامل معه بنفس السياسية التي تقوم عليها دول المنطقة ، فالعالم يتغير والخليج ثابت في سياساته الداخلية والخارجية في الإطار العام وان تغيرت بعض المواقف بين فترة وأخرى ، مصادر الطاقة والثروة التي تتمتع بها دول الخليج متغيرة "حسب الدراسات وبظهور مصادر أخرى للطاقة تقلل من الاعتماد على النفط التقليدي وتوزع الطاقة في بقعة جغرافية أكبر تحتم البحث عن اقامة تنمية واقتصاد مستدام لدول الخليج المعتمدة أساساً في اقتصادها على النفط ".1

 

ويطل علينا في هذه الأيام الاتفاق النووي الإيراني ونحن في منآى عن هذا الاتفاق الذي يمس أمننا ومستقبلنا في المقام الأول وفي ظل توغل إيراني في اليمن وسوريا والعراق ، وبالرغم من الحرب التي تخوضها دول الخليج مع أجنحة إيران في اليمن إلا أن أمريكا لم تعر دول الخليج أي اعتبار وتوجهت لإيران التي سيمنحها الاتفاق النووي قوة إضافية مع رفع العقوبات عنها ، والبيت الخليجي لايزال متصدعاً بين مواقفه المعلنة وبين مخاوفه وتطمينات الغرب له فهو من ضعف إلى ضعف وقد لايملك الخليجيون في مثل هذه الأخطار التي تحيط بهم من الخارج إلا توحيد صفهم الداخلي ، فنمو القوى الإقليمية يفرض على دول الخليج أن تكون قوة إقليمية وهي التي تملك مقومات الاتحاد " اللغة والدين والتاريخ المشترك والمصير الواحد " أن تتحد في مواجهة كل هذه المخاطر ، فلن تستطيع دول منفردة مهما كثر نفوذها و أموالها أن تواجه إيران كقوة إقليمية ..

 يأتي السؤال الأهم ، لماذا لاتتحد دول مجلس التعاون الخليجي والاخطار محيطة بها من كل جانب ؟

في اعتقادي ومن خلال قراءاتي للوضع الداخلي في كل دولة خليجية على حدة أجد أن هناك عوامل مشتركة تمنع القائمين على الدول من الاتحاد الخليجي :

١- احتكار سياسي ، فالقرار في دول مجلس التعاون بيد شخص واحد هو رئيس الدولة ولايوجد هناك هيكل لتوزيع السلطات التشريعية والرقابية والقضائية والتنفيذية ، فالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية متمثلة في شخص واحد وهي من تتحكم في السلطة القضائية التي يتوجب أن تكون سلطة مستقلة ، فتفرد شخص او مجموعة بالقرار دون مشاركة الشعب جعلت صاحب القرار يفكر ألف مرة في قيام اتحاد خليجي ينزع منه بعض الصلاحيات سواء كانت داخلية أو خارجية ، باستثناء الكويت التي يوجد لديها مجلس تشريعي غير مكتمل الصلاحيات .

٢- احتكار الثروة ، عندما كانت السلطة التشريعية والرقابية والتنفيذية في يد واحدة غابت الرقابة عن المال العام ، فما يقارب من ٥٠٪ من مداخيل النفط من ملايين البراميل التي تباع يومياً والتي يجب أن تدخل كلها في ميزانية الدولة لا أحد يعلم أين يذهب جزء كبير منها يتفاوت بين ١٠ إلى ٢٥٪ في بعض الدول وفي أي الحسابات تودع(٢) ، فليس هناك من يراقب المال العام في ظل وجود احتكار سياسي لكل السلطات تتمثل في شخص واحد او عائلة واحدة ، فأصحاب المداخيل الكبيرة من النفط ليس لديهم رغبة في وجود اتحاد خليجي ينزع منهم هذه المداخيل المالية الكبيرة .

٣- انتهاك حقوق الانسان الخليجي ، الانسان الخليجي صاحب الرأي والفكر مطارد في دول الخليج فكم تعج السجون بالسجناء السياسيين في ظل تطويع القضاء للسلطة السياسية ، فمن قضايا الانقلابات الملفقة والمس بالذات الأميرية إلى محاكمة التغريد في تويتر امتلأت السجون الخليجية بالمعتقلين ، غير أولئك القابعين في المعتقلات بغير محاكمات ولاقوانين محلية ولا دولية تبيح للسلطة السياسية العبث في الشعوب كما تشاء من غير حسيب ولا رقيب ، فوجود اتحاد خليجي سيعلي من صوت الأحرار في دول مجلس التعاون وسيوحد الشعوب نحو مطالبها بحقوقها الانسانية ونحو مشاركتها السياسية ، وهذا ما يخشى منه أصحاب القرار من وجود اتحاد خليجي يوحد مطالب الشعوب.

الحل :

سيتبادر لذهن القارئ تساؤل مهم بعد كل هذا ماهو الحل ؟

الحل السهل والبسيط ولكنه مستبعد في الوضع الحالي هو ان يعي أصحاب القرار أنهم يسيرون بشعوبهم ودولهم نحو مستقبل مجهول ، وأنهم يتوجب عليهم القيام بإصلاح سياسي داخلي حقيقي وأن يشاركوا شعوبهم في القرار السياسي عبر مجالس برلمانية منتخبة ذات صلاحيات تشريعية ورقابية ، وأن يكون للقضاء سلطة مستقلة ، وأن يكون الاعلام حر ونزيه فهذا الاصلاح الداخلي سينتج عنه اتحاد خليجي قوي يصنع تحالفات مع القوى الاقليمية ويكون نداً لاتابعاً للسياسات الخارجية .

 

والحل الصعب ولكنه محتدم على شعوب المنطقة ان لم يستجب أصحاب القرار ، هو أن تضغط الشعوب على حكوماتها لإقامة إصلاحات سياسية حقيقية وان تحقق الشعوب مشاركتها السياسية عبر برلمانات منتخبة ذات صلاحيات تشريعية ورقابية ، ولايعني ذلك تغير الأنظمة ولكن الضغط عليها للاصلاح ، فتغيير الانظمة الخليجية ستكون له كلفة كبيرة لن تتحملها الشعوب ولن تتحملها المنطقة ، وقبل ذلك كله على الشعوب أن تتحد في مطالبها ليصبح صوتها أقوى ، وحدة الشعوب قبل وحدة الحكومات يحتاج لرموز تقود هذه الوحدة ، فلا مفر من خيار الوحدة ، فما يحدث في الكويت يؤثر على الإمارات ومايحدث في الإمارات يؤثر على السعودية وعمان وقطر والبحرين. فإقامة اتحاد خليجي لن يقوم في ظل وجود احتكار للسلطة والقرار !

 

هوامش

‏1- مستقبل النفط في الخليج / ضيف الحلقة د.ناصر غيث

http://youtu.be/Q25z3neR71E

 

2-عائدات النفط في الخليج / في العمق

http://youtu.be/bwGy3lgJupg