المؤامرة والصدام المتحتم
المؤامرة والصدام المتحتم
تاريخ النشر: - مقالات اقتصادية وسياسية

المؤامرة :
قبل ثورات الربيع العربي كان هناك خطاب سائد في الأوساط العربية عن نظرية المؤامرة الكبرى والتي تتحدث عن الصهيونية العالمية التي تتحكم بكل صغيرة وكبيرة في سياسة الأرض وكان هناك أعداد كبيرة من الناس تبني تحليلاتها على هذه النظرية حتى وصل المواطن العربي إلى مرحلة من العجز لدرجة أنه إذا حدثت له أي حادثة بسيطة نسبها إلى الغرب والصهيونية العالمية والمؤامرة الكبرى ، كما كانت الأنظمة المستبدة تعزز هذه النظرية ليظهر الحاكم المستبد المبذر لخيرات البلاد والمتحكم بمصير الشعوب بريء من جرائمه بحجة أنه ليس إلا أداة في يد الغير ، ففي أغلب الحوارات التي تتحدث عن الفساد المالي والإداري وغياب العدالة وانتهاك حقوق الإنسان تجد من يختم الحديث بقوله "هؤلاء مجرد أدوات يحركهم الغرب" فيخلي المسؤولية المترتبة على هذا الحاكم المستبد ويضعها على بعبع المؤامرة ، وهذا قمة مايتمناه المستبد .

بدأت هذه النظرية تشتد بعد أحداث سبتمبر فلم يكن يتخيل العقل العربي العاجز أن أحد العرب أو المسلمين قد يقوم بمثل هذا العمل الضخم الذي هز العالم " بغض النظر عن موقفنا منه وعن أثره السلبي على المسلمين " ولكنه يبقى حدثاً كان له تبعاته الكبيرة ، ولازال الكثير يؤيدون كون مثل هذا الحدث من تدبير الصهيونية العالمية التي تدير أمريكا لغزو العالم العربي ، حيث ترتب عليها غزو أمريكي لإفغانستان والعراق وبالرغم من عظم المصالح التي تحققت لأمريكا باستثمارها لأحداث الحادي عشر من سبتمر إلا أن هناك خسائر فادحة ، فأفغانستان الآن هي مصدر استنزاف لأمريكا وتبحث عن طريق للخروج منها بأقل الخسائر ومن أراد أن يعرف المزيد عن خسائر الأمريكان من حروب أفغانستان والعراق فليراجع كتاب "حروب أوباما" .

الربيع العربي :
وبعد ثورات الربيع العربي سقطت نظرية المؤامرة بشكل كبير جداً بعد أن أدرك الشباب العربي أنهم قادرين على التغيير والتأثير بالرغم من اتهام كثير من المثقفين وعواجيز السياسة العرب في بداية الأمر بأن هذه الثورات هي نتاج مؤامرة كما تروج الأنظمة المستبدة لهذه النظرية حتى اليوم لإرهاب الشعوب ، ولكن الأمل الذي وضعته هذه الثورات كسرت النظرية القائمة ، تلك النظرية التي جعلت كثير من الشباب والمثقفين يقفون عاجزين أمام بذل أي جهد بسيط للتغير ، انتهت بعد الربيع العربي حين استطاع الشباب من الشوارع اسقاط اربع انظمة أمنية مستبدة في ازمنة قياسية ، فوجدوا أن المؤامرة الكونية هي مجرد خرافة صنعها عاجز وروجها إعلام المستبد وصدقها من هو أعجز منهم جميعاً ..

استثمار الحدث:
الثورات المضادة بدأت تعيد تأكيد نظرية المؤامرة الكونية عند البعض ، ولكن هذا البعض لم يراقب العالم الذي وقف صامتاً لمايزيد عن السنة منذ قيام الثورات العربية مراقباً ما يحدث حتى يحدد خياراته تجاه الثورات المفاجأة التي صنعتها الشعوب ، حتى تولى زمام المبادرة في حرب الربيع العربي بعض الأنظمة العربية التي كانت لديها خشية من وصول تأثيرات الربيع العربي لها ، فالمعركة الآن ليست بين الغرب والعرب وإنما هي معركة بين الاستبداد وحرية الشعوب ، فالأنظمة العربية هي أول من وجهت سهامها للشعوب العربية وإن كان هناك دعم خفي بالصمت عن جرائم الإستبداد العربي تارة وبالإعتراف بالأنظمة الإنقلابية تارة آخرى ، إلا أن الغرب لم يحسم موقفه حتى الآن ، فهم أفضل من يحسن استثمار الأحداث وأين ماوجدوا مصالحهم سيتواجدون .. كما يجب أن ندرك أن سياسة أمريكا وروسيا وأوروبا قائمة على المصالح والسيطرة فأينما وجدت مصالحهم سيكونوا .. لذلك فإن دعمهم للثورات المضادة ليس قطعي ومتى ما وجدوا نجاحاً لايقدرون على الوقوف في وجهه من الثورات العربية فإنهم سيتعاملون معه متى ماوجدت المصلحة واذا غابت المصلحة أو تسببت الثورات في حرمانهم من الإمتيازات والسيطرة وفقدنا المصالح فإنهم سيتجهون نحو الصدام ..

الصدام المحتم :
الصدام .. من خلال ماتقدم وبعد إسقاط نظرية المؤامرة الكونية يجب أن نؤكد أن عدم وجود مؤامرة كونية لايعني هذا أن أمريكا والغرب لايسعون لإسقاط ثورات الشعوب أو أنه لاتوجد لديهم تدخلات سواء في دول الخليج أو في الدول العربية فالتدخل موجود ، وتبعية الدول والأنظمة العربية للأجنبي حاضرة وظاهرة ، ولكن هذا لايعني أن هناك مؤامرة تتحكم بكل صغيرة وكبيرة ، فالشعوب متى ما أرادت أن تتخلص من كل هذه التبعية ستفعل ولعل أهم أسباب دعم الغرب الضمني للثورات المضادة هو الخوف من وجود ديمقراطيات عربية تنهي هذه التبعية وتُخرج دول منافسة لها مشاريعها على الساحة العالمية ، لذلك فإن الصدام مع الغرب “ كحكومات “ محتم ، وإن لم يكن اليوم فإنه سيكون غداً ، وإن لم يكن غداً فسيكون الذي بعده .

لماذا نقول أن الصدام مع الحكومات الغربية محتم ؟!
لأن طبيعة صاحب الإمتيازات يرفض أن يتخلى عن امتيازاته بغير مقاومة ، فمتى ما شعرت الحكومات الغربية أنها تفقد شيئاً من امتيازاتها وسيطرتها على الدول العربية فإنها ستقاوم من يسلبها ذلك ، فمتى ما قامت الثورات العربية بتغييرات جذرية للأنظمة الحالية فإن هناك صراع محتم سيكون مع المستعمر حين لايجد من يخضع له ، الصدام لن تحدده الشعوب العربية ولكن ستجرها إليه الحكومات الغربية ، وهنا لا أتكلم عن الشعوب الغربية فهي توافق على الدخول في الحروب بالتخويف من الإرهاب كما يحدث الآن في فرنسا وبريطانيا وسابقاً مع أمريكا ، فبحجة الإرهاب تدعم روسيا نظام بشار وهي تقصف المقاومة ، وبحجة الإرهاب يقصف التحالف المقاومة ولا يتدخل ضد بشار ..

الشعب السوري كمثال :
الشعب السوري قام بثورته ضد النظام الإستبدادي بشكل حضاري وسلمي ، قام النظام المجرم باستخدام القوة المفرطة في قمع الشعب الطامح للحرية ، قامت ثورة مسلحة من الشعب لرد العدوان المسلح من قبل الحكومة ، وجدت “داعش التي صنعها النظام السوري أو قامت ثم اخترقها النظام أو أنها تسعى لمصالح خاصة مشتركة مع النظام ” أي كان مصدرها وأهدافها ، خلاصة الأمر أنها تساهم في ضرب الثورة السورية ، تدخل حلفاء النظام كميليشات مسلحة حتى انتهى بتدخل علني لروسيا وإيران تحت مسمى الحرب على داعش والقصف ينال من الثورة والثوار ، التحالف الدولي وفرنسا وبريطانيا وأمريكا انتفضوا لقصف داعش كما يقولون حينما قتل عشرات منهم ولكن طائراتهم التي تقصف الأبرياء لاتصل إلى قوات النظام الذي قتل مايزيد على نصف مليون إنسان وهجر ملايين البشر ، لذلك فإن الشعب السوري يجد نفسه اليوم في صدام مع حكومات الغرب ، ومع حكومات الإستبداد العربي ،  لأن الجميع باختصار لايريدون له أن ينال حريته ! 

وهذا المثال سيتكرر مع باقي الشعوب الطامحة للحرية حين تقودهم حكومات الغرب بانتهازيتها إلى الصدام المتحتم مع الشعوب التي تطمح لحريتها واستقلالها ...