طلعت علينا صحفنا المحلية صباح الأمس بقضية قتل راح ضحيتها طفل لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره من قبل مراهقين صغار لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشر والثامنة عشر سنة ، لتضيف لمجتمعنا نوع جديد من الجرائم الذي لم نعتد أن نسمعه بين هذه الفئة من المجتمع ، تساءل الجميع بألم وحسرة عبر البرامج المباشرة في الإذاعات والقنوات الفضائية المحلية عن السبب في ظهور مثل هذه الجرائم في مجتمعنا وبين شبابنا ، وتعارضت الآراء واختلفت بين من يلقي اللوم على القوانين وبين من ألقى اللوم على الأسرة والمدرسة ، ولا استغرب من ذلك فمن شدة وقع الخبر على المسامع أصبح الوضع يخيف كل سامع ،،
ولكن يجب أن لا يقف الموضوع عند التأثير الموضعي ثم تزول آثاره مع الأيام ، والأخطر من ذلك أن نتعود على سماع مثل هذه الأخبار في مجتمعنا فتصبح كالأمر العادي الذي لا نلقي له بال ، وفي اعتقادي أنه يجب أن نقف على الأسباب الرئيسية لحدوث مثل هذه الجريمة وأن لا تمر علينا مرور الكرام ...
فمن خلال ما نراه ونشاهده فإننا نرى أن الانفتاح الكبير الذي تعيشه مجتمعاتنا على المجتمعات الأخرى في ظل العولمة أظهرت لنا مثل هذه المشاكل وخصوصاً في غياب دور الأب وتضاؤل دور الأم في التربية ، وغير أن المؤسسات التربوية نفسها تعاني من الضعف الكبير الذي ساهم من قريب أو بعيد في مثل هذه الجرائم ، فهي حلقة متكاملة بين دور المجتمع والمؤسسات التربوية ودور الأسرة .
فإذا أتينا إلى الأسرة فإننا نرى أن معظم أسرنا تغرق في المدنية ، وأصبحت مهمة الأب تقتصر على جمع الأموال والترفيه والسهر بعيدا عن الخوض في متطلبات الأبناء المعنوية وأما المادية فقد أعطيت أكثر من حقها حتى أصبحت جزء من مشاكل الأبناء ، وغاب دور الأم أيضا في جو من العمل والاختلاط بالمجتمع بعيدا عن بيتها وأبنائها ،،، فمن يحاور الابن ويعلمه ويشاركه همومه وأفراحه إن شغل عنه والديه ....ومن يرشده إلى ما يشاهد وما يقرأ وما يسمع ؟؟؟؟؟
وإن حسنت التربية في المنزل خرج لنا الطفل إلى مجتمع متنوع الأفكار والثقافات يضم أكثر من 200 جنسية من جميع الديانات والأعراق ،ووسائل الانحراف موجودة على كل باب ، وفي وسائل الإعلام تربية على كل ما هو مناف للآداب ، فمن يرشد هذا الابن المسكين في وسط العواصف الرهيبة للصواب ، إن لم يكن للمجتمع دور في غرس القيم الحميدة في نفوس الشباب .
لذلك وجب أن تكون هناك مؤسسات قوية تصد مثل هذه الهجمات لا أن تكون مثل وزارة التربية والتعليم اليوم بعد أن فُرغت من التربويين الذين كانوا عماد لها ومن أبناء بلدها ، فالمعلم إذا لم يكن على قدر من الهم والمسؤولية فعلى أجيالنا السلام ، وكم شاهدنا من صور سلبية للمعلمين في مدارسنا وخصوصا بعد إدخال الأجانب وما أدراك ما الأجانب ؟
فالمؤسسة التربوية لن تكون قوية إلا بكوادرها الأقوياء الذين يحصنون الأجيال وينشؤوهم على الأخلاق الكريمة وحب الدين والإيمان ،ويجب أيضا أن يكون هناك دعم مادي ومعنوي للمؤسسات التربوية المجتمعية غير الحكومية لا أن يتم تقليص أدوارها كما هو الواقع ، أو منعها من القيام بأدوارها بحجج أمنية واهية ،،،
فمن يحافظ على الأمن في بلادنا يجب أن يدرك أننا إن منعنا مثل هؤلاء فلن نجني إلا مثل هذه الجرائم .