كلمة وفاء
رحل عنا اليوم رجل كريم ، كريم في الأصل والصفات ، كريم في القول والعبرات ، كريم في البذل والصدقات ، كان رجل خير وبر ، ومن الرجال القلائل في دولة الإمارات ، عاش حياته في أعمال البر والتقوى ، ووقف مع الحق حيثما كان ، وأنا أكتب عنه اليوم كلمة وفاء لما شاهدته وسمعته منه وليس نقلا عن الآخرين ، لأنني لو أردت أن أنقل عنه لما وسعني في ذلك كتاب كامل في وصف خصاله والثناء على حسناته ....إنه الوالد " محمد بن رحمة العامري "
علمنا " قول الحق "
عرفناه منذ أن كنا صغارا في العاشرة عندما التحقنا بجمعية الإرشاد التي كان يرأس مجلس إدارتها حتى وفاته ، وحضرنا مجالسه بعد أن كبرنا قليلا ، وأتذكر كيف كان يزرع فينا العزة وحب الوطن عندما كان يتحدث عن وجوده في المجلس الوطني في بداية تأسيسه وكيف كان ينافح ويكافح من أجل المواطن والوطن، حتى أن الشيخ زايد رحمه الله كان يسميه " أبو لسانين " وذلك لقوته في الحق وعدم رضاه بأي شيء يسوء المواطن، وأسمعنا رحمه الله خطابا مسجلا ألقاه في المجلس الوطني يطالب فيه بضرورة حفظ حق قرارات المجلس بالتنفيذ لأنها تمثل المواطن، كما كان رحمه الله حريصا على الدعوة ومراكزها واذكر يومها حدثنا عن جمعية الإصلاح في دبي وكيف كانوا ينافحون عنها هو وإخوانه، فقد كان رحمه الله قويا في الحق ولا يخاف فالله لومة لائم ....
علمنا " الخوف من الله والبذل والعطاء "
كما أنه كان رجلا يخاف الله تهزه الآيات وتحرك عبرته المواعظ والأبيات ، صاحب صلاة وعبادة نراه في المسجد حتى في آخر أيامه يحمل على كرسي متحرك ليدرك صلاة الجماعة، صاحب أيادٍ بيضاء وإنفاق في وجوه الخير بشكل مستمر، لم يتوقف بذله وعطاؤه حتى آخر يوم من حياته، كنا إذا ذهبنا له بأي مشروع فيه خدمة للإسلام والمسلمين لا يتردد أبدا في الدعم والإنفاق، وخصوصا البرامج والرحلات الشبابية لأنه كان يؤمن ببناء الشاب المسلم المتمسك بأخلاقه ومبادئه وقيمه، فجزاه الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء، وكان آخر عطاء أعلمه لمركز القرآن في الجمعية قبل وفاته بأيام والتي لا نعلمها الكثير ...
وفي إحدى الحفلات الختامية لأنشطة الجمعية كان هناك مسرحية وكان ختامها عن الموت وأن كل إنسان يجد نتيجة عمله في الآخرة، وبعد المسرحية خرج إلى المسرح والقى كلمة رأينا فيها تأثره وتأثر من سمعه، وأعلن خلالها أن لديه بناية يريد أن يبيعها ويتصدق بها .
علمنا " التواضع "
وأتذكر موقفا حدث لي شخصيا عندما كنت في السادسة عشر يدل على عمق تواضعه وانه كيف كان يعاملنا بأبوة وعطف، كنا عنده في المجلس في يوم العيد وعندما خرجنا لصلاة المغرب دخلت قبله إلى المسجد وعندما خرجت كنت أبحث عن حذائي (أعزكم الله) فلم أجده فرأيته قد خرج بعدي وهو يضحك وقال لي هل تبحث عن حذائك قلت له : نعم ، فذهب إلى صندوق الأحذية في المسجد فأخرج حذائي وحذائه وكان قد وضعهما مع بعض لكي لا يسرق حذائي، لقد كان يراقبني في المسجد لكي لا أخرج ولا أجد الحذاء حتى إذا خرجت خرج خلفي وهو الشيخ الكبير صاحب المكانة والجاه إلا أن تواضعه لم يمنعه من ذلك ...
صليت المغرب في مسجده قبل وفاته بأسبوعين تقريبا وآخر كلمة سمعتها منه هي دعوة لي .
فرحمك الله يا أبوعبدالكريم وأدخلك فسيح جناته مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والشهداء والصالحين ........