يوميات اخن -1- طائرة الأمل
انطلقت بنا طائرة الأمل ونحن نحاول ان نهرب ولو قليلا لنخفف عن أنفسنا كثيراً من ثقل الحياة ونحاول أن نسلك أقل الطرق وعورة لنرتاح قليلا من طول المسير، ونلقي عن كواهلنا ألم أعجبه البقاء مع جرح لم يندمل!
ارتبطت الآلام دائماً بالجراح لأن الجرح بدون الألم لامعنى له فكم تدين الجراح للالأم، انطلقنا وتركنا خلفنا هموم سنعود إليها لا محالة ولكن هكذا هي، هموم تتوالى، وأفكار لاتنتهي، فمن دعوة تنتظر منا الكثير ولاترى إلا القليل والضربات تأتيها من اليمين ومن الشمال ونحن عنها خاملون، ومن عمل لاندري أين سنصل به، إلى حقوق لم توفى بعد، الى شفقة ورحمة بفلذة الكبد وأنت تراه بين يديك وتبذل له ما تستطيع وما لا تستطيع لكي تراه أمام عينيك وهو صحيح معافى، إلى آمال وطموحات تترائ من بعيد من خلف الضباب نراها .. نترقب متى ينقشع عنها، انطلق بنا قائد الطائرة بقسوة على طائرته التي من المفترض أن تكون حبيبته التي يحنو عليها ويرفق بها، فمن قسوته خيل إلينا أننا نسقط في مياه الخليج ولكن الله سلم.
جاري جار علي، وهو شاب ألماني في الثلاثينات من العمر طويل القامة ممتلئ الجسد قبضته تكفي لأن تملؤ وجهي وتزيد لو فكر أن يلقي بها على وجهي بعد أن طلبت منه القيام من مكاني الذي جار عليه ولكن رده كان لطيفا عندما ترك المكان لصاحبه، بدأ ضيف خفيفا بابتسامته وانتهى بنهاية عقله بعد ان أثقله شرب الكحول، فقلت في نفسي كم هي نعمة العقل عظيمة يبيعها بعض البشر بكأس خمر!
بدأنا نشعر بتجمد الأطراف ونحن نخرج من المطار بعد ان استقبلنا أعز أصحابي وأحبابي، وهو الذي لم يتوانى لحظة في خدمة أو طلب ينسى نفسه ليسعد غيره فكم هو عظيم هذا الأخ والصديق الذي يصعب أن تجد له مثيل في هذا الزمن، انطلقنا إلي حيث أن النوم ينتظرنا بشوق كبير، ولكن سرعان ما استيقظت قبل صلاة الفجر أبحث عن القبلة لأمرغ جبهتي في الأرض شوقاً لمناجات الله، فالهموم تلاحقني أينما ذهبت وحيثما حللت ولا ملجأ لي منها إلا اليك يارب .
تعرفنا على المعالم الرئيسية وشيء من تاريخ المنطقة ثم ذهبنا الى ( المصنع ) أقصد المستشفى لدفع رسوم العلاج والاتفاق على الموعد الذي سيكون في اليوم التالي مباشرة، شعرت بمدى حب أهل هذه البلد للغتهم واعتزازهم بما يملكون من ثروة علمية متطورة وهائلة، كما شعرت بطعم آخر للصلاة وأنا أصلي مع المسلمين في مسجد بلال .
أربكتني الفوضى التي قام بها ولدي محمد في المسجد ونحن نصلي ، وأنا انتظر انتقاد المصلين لي كما تعودت، ولكن تفاجأت بالعكس تماما وحببني بهم أكثر طيب قلوبهم وسعت صدورهم بعد أن قام الكبار في السن بتقبيل محمد.
فاجئني صديقي بعد ان أخبرني ان السكن سيكون في هولندا ولم أتخيل للحظة كيف سننتقل من هناك الى المستشفى وتخيلت نقاط التفتيش والحدود وجدار الفصل العنصري وووو.... كما نعرف بين دولنا المتحضرة التي تتصارع يوميا على الحدود!
وصدمت حين وصلت الى السكن وأنا لم أشعر اني قد خرجت من المانيا إلا بعدما أخبرني صديقي بذلك وخصوصا وان المستشفى على مسافة قريبة من السكن فقلت في نفسي هل أمور الحدود مسائل مهمة يجب أن لانتدخل بها ونتركها للمسؤولين فهم أدرى بالمصالح ، فنحن شعوب لاتعي كما يقولون، فكيف لاتحمي الدولة حدودها، ومن اخوانها!
اشتقت لمقاعد الدراسة وبدأت أتذكر طموحاتي التعليمية عندما حضرت محاضرة الجامعة مع صديقي بعد المغرب حيث المكان ممتلئ بعشرات الطلاب والطالبات، ولكن النعاس غلبنا ففضلنا الخروج لنلتقي في يوم اخر من أيام اخن.
وغدا يوم آخر جميل الأثنين 24 /01/2011م