يدخل علينا رمضان ولازال المعتقلون الخمسة عشر خلف قضبان سجن ظالم لا لشيء إلا لأنهم أصحاب مبدأ رسخ في قلوبهم ورسالة آمنوا بها وعقيدة ودعوة يحملون الناس عليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فذنبهم الوحيد أنهم دعاة إلى الله شعارهم " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله " ، يحبون أوطانهم ومجتمعاتهم وأهلهم وعشيرتهم فيبذلون الغالي والنفيس في بذل النصيحة التي يستثقلها البعض ويصدحون بالحق المر في مذاق البعض ويرشدون من ضل الطريق إلى الجادة حبا ووفاءا لأوطانهم ، وطمعا في رضا مولاهم ، ولا أكتم سرا حين أقول أن أيادي الخير للمعتقلين الخمسة عشر لازال الناس يتلمسونها في حياتهم حتى هذه اللحظة التي تشوه فيه صورهم ، إلا أن الأفعال أشد وقعا وتأثيرا من الأقوال ، سيما إذا كانت الأفعال في وجوه الخير والأقوال كانت ملفقة مزورة ! مئة يوم تزيد عند بعضهم وتنقص عند آخرين ولازال المعتقلون الخمسة عشر في سجونهم في خلوة ربانية وسعادة روحانية لاتعدلها سعادة ، ولولا أن السجن يحرمهم لذة لقاء الأحباب والأبناء ، ولولا أن الحبس يقطع عليهم الطريق دون الوصول إلى أسمى الغايات لكان السجن أحب إليهم من أي مكان ، في خلوتهم ذكر ودعاء وصلاة واستغفار ، دعاء لوطنهم بالخير ولمجتمعاتهم بالسداد ، فلازال حب الوطن في قلوبهم رغم قسوة الجلاد ، ولازال الوفاء في أفئدتهم رغم تكالب السبائم والشتام ، ورغم الحبس والإضطهاد إلا أنها في سبيل صلاح أوطانهم وأهلهم راضين صابرين مرابطين .. يوقنون أنه طريق الدعاة هذا الطريق الشاق الذي مر به الأنبياء ومن بعدهم العلماء والدعاة ، فمن لدن أدم ونوح وعيسى وموسى ونبينا عليهم أفضل الصلاة واتم التسليم ، فكم كذبوا وأوذوا كما قال تعالى عن عبده نوح عليه السلام " ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون " ، فهكذا هم الدعاة إلى الله يقينهم بنصر الله ، وهذا أحمد بن حنبل يسجن ويجلد وسعيد بن حبير يقتل وابن تيمية يموت في سجنه وكل من سار على هذا الطريق فإنه يبتلى حتى يثبت صدق سيره إلى الله ولسان حاله يقول " أنا جنتي وبستاني في صدري أنا ذهبت فهي معي ، أنا قتلي شهادة وسجني خلوة ونفيي عن بلدي سياحة " .. سيقولون وهل تشبهنا بالكفار الذين يحاربون الأنبياء أقول معاذ الله ، ولكن كل من يحارب الدعاة إلى الله قد يشترك معهم بصفة الظلم كما يشترك الكاذب مع المنافق في صفة الكذب ، قال عليه الصلاة والسلام " آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا إؤتمن خان " فهو لايعني أن كل من وجدت فيه صفة الكذب قد يكون منافقا في الدرك الأسفل من النار ، ولكنه يحمل صفة من صفات النفاق ، فالعرب تقول " يشبه الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في كل شيء" فهكذا يتشابه الظالمون وان اختلفت دياناتهم ، لذلك فإن دعوة المظلوم مستجابة حتى من الكافر !.. ساعة الإفطار في أول يوم في رمضان ستجلس الأم والزوجة وحولهم الأبناء على مائدة الإفطار يفتقدون حبا عميقا وحضنا دافئا وفرحة مستمرة كان يمدهم ويمنحهم إياها ذلك الذي يفطر خلف قضبان المعتقل ظلما ، سيفتقد الأبناء ذلك الأب الذي يدراسهم القرآن ، ويأخذهم لصلاة القيام سيفتقدون الكلمة والبسمة والفرحة بسبب قرار ظالم .. فشوق الأم لفلذة كبدها وحنين الزوجة لعناق زوجها ، ودموع الأطفال لفراق والدهم ، كل ذلك .. الشوق والحنين والدموع يبعث بألم في قلوبهم ليرسلوا دعوات مخلصة ملؤها الإيمان الصادق في ساعات الإجابة بالدعاء على من ظلمهم بحبس من يحبون ! ننتظر الفرج من رب السماء ، ونطلب فك قيد الظلم عنهم من الله ، ونوكل لهم عدالة السماء ، ومن ظن أنه سيقف عائق أمام سنن الله في كونه فهو واهم ، فالظلم له نهاية وإن طال الزمان أو قصر ..