قد يتسائل المواطن الإماراتي عن جدوى وجود مجلس وطني منتخب مع وجود ضريبة كبيرة يدفعها المطالبين بالمجلس الوطني المنتخب ذو صلاحيات تشريعية ورقابية ، فهل هناك فائدة للوطن والمواطن تستحق مثل هذه الضريبة أم أنها مؤامرة خارجية تستهدف أمن الوطن وإيقاف عجلة التطور والنمو كما يروج لذلك المحسوبين على الحكومة من مثقفين وإعلاميين ؟ بدايةً سنستبعد نظرية المؤامرة الساذجة التي يروجون لها فالمطالبين بحقوق المجلس الوطني الذين وقعوا على عريضة الثالث من مارس هم من خيرة أبناء الإمارات التي قامت على سواعدهم نهضة الوطن كما أن استكمال اسس البناء الديمقراطي كان حلم المؤسسين ، وهناك إحصائية نشرتها الإمارات اليوم في ابريل ٢٠١٠م تؤكد على وجود أكثر من ٧٠٪ من الشعب يطالب بوجود انتخابات كاملة للمجلس الوطني مع منح صلاحيات تشريعية ورقابية ، فالحديث عن مؤامرة حديث ساذج يميع مطالب الشعب الحقيقية التي قمعتها القبضة الأمنية بعد عريضة الثالث من مارس ، فحديثنا اليوم سيكون عن جدوى وجود مجلس وطني منتخب ذو صلاحيات وماذا سيتغير في حياة المواطن لو كان لدينا مثل هذا المجلس في دولة الإمارات ؟ إذا نظرنا في حياتنا اليومية فإن للمواطن العادي مصالح طبيعية مع الجهات الحكومية بشتى أنواعها من تعليم وصحة وإسكان وخدمات عامة تقدمها الحكومة للمواطنين فوجود خلل في تقديم مثل هذه الخدمات قد ينغص على المواطن حياته لذلك نرى برامج التنفيس (البث المباشر) مزدهرة ومذيعيها من أشهر الاعلاميين في الدولة لأنهم يستمعون لشكاوى المواطنين في جميع المجالات (رغم وجود بعض المجالات المحظورة أيضا) وليس لهم دور إلا التنفيس عن المواطن المطحون في سلسلة من الفساد الحكومي والخلل الإداري الذي ليس له رقيب ولا حسيب عليه إلا الضمير الحي عند بعض المسؤولين ، فعندما تستمع لأم تشتكي من سوء خدمات المدارس الحكومية وعندما تسمع أب يطالب بمسكن يضمه هو وأبنائه وعندما تستمع لسوء خدمات الصحة والنظافة وعندما تستمع لحاجات المواطنين القيمية والأخلاقية وعندما تستمع لقصص ومآسي على الهواء مباشرة يتبادر لذهنك تساؤل حزين مؤلم ما الذي دفع المواطن الكريم للحديث عن نفسه بهذه الطريقة المؤلمة أمام الناس ؟ الجواب بكل بساطة لأنه لم يجد من يوصل صوته وحاجته وهو عزيز النفس مصان الكرامة ! سيأتي من يقول مجالس الشيوخ مفتوحة ، أقول وإن كانت حقيقة مفتوحة فهي ليست الطريقة التي تحفظ كرامة الإنسان في تلبية حاجاته ، فمن حق المواطن أن تصله حاجاته لا أن يطلبها ، ولقد طور العالم عبر قرون من الزمن الطرق المثالية لحفظ حقوق وكرامة الانسان ، كما أن المجالس وإن كانت مفتوحة فهي لفئات معينة وليس كل مواطن قادر على دخولها . وعند الحديث عن الخلل الإداري والفساد الحكومي والرقابة على المال العام فيسأتي من يقول لدينا حكام يزورون الدوائر الحكومية ويراقبون العمل ويحاسبون المسؤولين .. أقول أولاً هذا واجبهم إن قاموا به يشكرون عليه وإن قصروا فيه من يحاسبهم ؟! ثانياً وجود مجلس وطني منتخب ذو صلاحيات رقابية وتشريعية تعني فصل السلطة التنفيذية عن السلطات التشريعية والرقابية ، فمتى اجتمعت هذه السلطات في جهة واحدة ظهر الفساد والخلل وإن كان القائم بها من أطهر خلق الله وصاحب ضمير حي ، لذلك فإن وجود مجلس يمثل الشعب ويستمع لمشاكلهم وآرائهم سيقيم عمل السلطات التنفيذية في الدولة المتمثلة حاليا في الوزارات والهيئات الاتحادية . ديمقراطية مختلفة: الحديث عن أننا في الإمارات نمارس ديمقراطية من نوع مختلف هو حديث لإسكات المطالبة بالحقوق في فصل السلطات ، كيف سيفهم العاقل الديمقراطية والسلطات التنفيذية والتشريعية والرقابية متمثلة في شخص واحد أو جهة واحدة ؟ من الممكن أن تقول لدينا نظام حكم مختلف أما أن تقحم الديمقراطية التي تعني حكم الشعب عبر مجالس نيابية وبرلمانية في نظام يحكم فيه فرد واحد أو عائلة واحدة فهو مجرد استخفاف بالمواطن ! لذلك فإن وجود مجلس وطني منتخب تعني وجود أفراد في كل مدينة وحي يبحثون عن حاجات المواطنين ويفرضون على الجهات التنفيذية تلبيتها للمواطن ، فلن يحتاج المواطن حينها الوقوف على أبواب الدواووين ولا الحديث والعويل أمام العالم في الإذاعة والتلفاز لبث شكواه او المطالبة بحقوقه ، كما أن الحكام لن يكونوا بحاجة للرقابة على الدوائر الحكومية إلا من باب الإطمئنان على سير عملهم كمسؤولين عن الجهات التنفيذية فهناك من يقوم بدور الرقابة وإصدار التشريعات التي تنظم هذا العمل ، وتحاسب الفاسد وتقوم المقصر ! ولا أزعم أنه بوجود مجلس وطني منتخب ستحل كل مشاكل الوطن والمواطنين ولكنها ستحسن وستنظم وستمنح الحقوق واستكمال أسس الديمقراطية التي كان يحلم بها المؤسسون تقضي في المرحلة التي تلي المجلس الوطني المنتخب وجود حكومة منتخبة تستجيب لإرادة الشعب وتعمل على تحقيق العدالة بين المواطنين وإسعاد ورفاهية المواطن من السلع إلى الفجيرة .