التسول ظاهرة من الظواهر السيئة المنتشرة في العديد من المجتمعات فهي من الأمور التي تؤدي بالإنسان لان يعيش ذليلا صغيرا بين الناس لا يرفع رأسه للأعلى ، ولذلك فقد حاربها الاسلام بشتى الوسائل حتى لا تنتشر في المجتمع ، فالإسلام يربي النفس المسلمة على معاني العزة والكرامة كما ورد في الحديث " اليد العليا خير وأحب إلى الله من اليد السفلى "، كما أنه حث الأغنياء على البذل والعطاء سواء كانت بأمور مفروضة كالزكاة أو مسنونة مستحبة كالصدقات والهبات وكل ذلك لكي يقلل من هذه الظاهرة ولسد حاجة الفقراء دون أن يطلبوا من الناس ، وأيضا فرض على الدولة لكل فرد فيها نصيب من ميزانيتها كما هو مبين بشكل واضح في كتب فقه السياسة الشرعية حتى لا تكون للفرد أي حاجة إلى أن يطرق الأبواب ويذهب ماء وجهه ، فالإسلام يحفظ للإنسان عزته وكرامته ، وإن لم يكن مسلما كما فعل عمر رضي الله عنه مع اليهودي حين أعطاه من بيت المال . كما أن هذه الظاهرة في مجتمع مثل مجتمعنا الإماراتي من الأمور النادرة بهذه الطريقة بين أهل البلد ، ولكننا بتنا نلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار واضح لها بين أهل الإمارات ولكن بطريقة مختلفة عن ما يقوم به المحترفين لهذه المهنة من لبس الملابس الرثة والتظاهر بالمرض والشكوى من جور الزمان . فالتسول في مجتمعنا متطور لدرجة أنه أصبح على الهواء مباشرة وعبر وسائل الإعلام المسموعة ، وهو مشروع بكل مقاييس القائمين على مثل هذه البرامج لبيان الكرم والتندر في بعض الأحيان عليهم ، ولا يحتاج من المتسول سوى أن يشكو الحال من ضيق المسكن وقلة ذات اليد ، وليت هؤلاء المتسولين يطلبون أمور لتقضي حوائجهم الأساسية ولكنهم يبالغون في التذلل لطلب أمور كمالية وشكلية ، فمن أغرب ما سمعته من هؤلاء المتسولين أن أحدهم كان يطلب تلفازا وعندما سئل عن راتبه كانت المفاجأة بأن راتبه خمس عشرة ألف درهم وتحجج بأن الزمان أصبح غاليا وأن الأموال لا تكفي ، تساءلت أين ذهب ماء وجه هذا الرجل ، أو امرأة أخرى تطلب سيارة جديدة وهي تبكي لأن سيارتها قديمة ، والمواقف في ذلك كثيرة ولا مجال لحصرها ، كما أن هناك من يتسول لحاجات حقيقية عنده مثل طلب أرض أو طلب مكيف في مثل هذا الحر الشديد وغيرها من الأمور الأساسية ، وهؤلاء فالحقيقة محتاجون ولكن الحل لا يكون في التسول ، لأن الله مدح الفقراء وقال " لا يسألون الناس إلحافا " . ولكن باعتقادي بأن الحل هنا بيد المجتمع ، فليس من المنطق أن نفتح لهم برامج تعينهم على التذلل للناس لطلب ما يريدون ، ولكن الأولى بهذه البرامج أن تعينهم على معاني العزة وأن تجبر الأغنياء وأصحاب القرار للقيام بواجبهم حتى يحفظوا للإنسان كرامته . وسؤالي هنا للأغنياء وأصحاب القرار ، هل يجب على هذا المحتاج أن يذهب ماء وجهه ليجد حاجته ؟ أم أنه يجب أي يحصل عليها دون أن يسوم وجهه للناس ، بمعنى أخر هل يجب لطالب الأرض والمسكن أن يتسول ويطلب عبر برامج البث المباشر حتى يحصل على ما يريد ، لنرى بذلك مدى الكرم والحرص وسرعة الاستجابة وكأننا نقول لباقي الناس اعملوا مثله ولكم ما تريدون ، ولا أدري هل يعجبنا الوضع بأن نرى إنسانا يبكي أمامنا لكي نعطيه أم أن الواجب و الشرع والعرف والإنسانية تحتم علينا أن نعطي كل إنسان حقه حتى لا يسألنا الله عنهم يوم القيامة .......