جاءت اليوم مبادرة من رئيس الوزراء حول رغبته في تعيين وزراء شباب في حكومته ، هذه المبادرة التي بدأ عدد من الناس بمباركتها واتخذها بعض من ابناء دول الخليج في الكويت والسعودية منها كمثال يحتذى به في انتقاد الأوضاع السيئة في بلادهم في نظرة جزئية للمظاهر الخداعة ، هي في الحقيقة مبادرة إيجابية كعنوان عام ولكن مضمونها وطريقة تطبيقها خاطئة ومخادعة ..
فالحديث عن وزير شاب صاحب كفاءة في منصب من أعلى المناصب القيادية في الحكومات ليس وليد هذه المبادرة فهناك الكثير من الوزراء الشباب في الدول الديمقراطية ومنهم أصغر وزير في العالم سباستيان كورتس (مواليد 27 أغسطس 1986) وزير الخارجية والهجرة فى النمسا منذ 2013 ، ووزير الصحة والرياضة السويدى غابرييل يكستروم 29 عام ، ونجاة بلقاسم وزيرة التعليم الفرنسية التي عينت وهى فى سن الـ37 وهى مغربية الأصل، وتعد أصغر من شغلت هذا المنصب في فرنسا وغيرهم الكثير ..
ولكن مايميز هؤلاء الوزراء الشباب أنهم دخلوا معترك الحياة العملية لسنوات طويلة أكسبتهم الخبرة وصقلت مواهبهم وأبرزت إمكاناتهم فأصغرهم قضى أكثر من خمس سنوات في الحياة العملية ، واثبتوا من خلالها كفاءتهم وقدراتهم القيادية في ظل نظمهم الديمقراطية ، أما شروط الوزير المعلن عنه من قبل رئيس الحكومة الإماراتية وهو أن يكون ممن تخرج في آخر عامين أو ممن هم في سنواتهم الاخيرة في الدراسة هو مدعاة للتعجب والتساؤل ؟!
هل الهدف هو التباهي بأصغر وزير في العالم بغض النظر عن كفاءاته وخبرته وقدراته ، أم الهدف هو خدمة الوطن والمواطن والرقي بمستوى الوزارات ؟!
هذه الملاحظة وحدها تكفي ليتسائل المواطن عن نوعية الوزير الشاب القادم ، وهل سيكون مجرد واجهة للتفاخر بأن الإمارات تعين أصغر وزير في العالم بعيداً عن وضع معيار الكفاءة والجاهزية لهذا المنصب الحساس الذي ستضيع بضعف امكاناته مصالح الوطن والمواطن .. وفي النهاية سيكون المواطن هو الخاسر الأكبر !
فتعيين أصغر وزير في العالم في حد ذاته ليس انجازاً ، الإنجاز في كفاءة هذا الوزير مهما كان سنه !
في الحقيقة كنت سأبارك هذه الخطوة لو كان لدينا مجلس وطني منتخب ذو صلاحيات يراقب الوزراء وأدائهم ويراقب فشلهم وانجازاتهم ، ويحاسب المقصر منهم ، أما كوننا في حكومة تتفرد بالتشريع والتنفيذ وتتصرف كما تشاء وليس هناك من يحاسب أو يراقب أداء الوزراء فيها فإننا لايمكننا الوثوق بكفاءة الوزير سواء كان كبيراً أو صغيراً .. لأننا ببساطة لايمكننا محاسبته إذا قصر أو محاسبة من عينه إذا فشل !
كما أنني كنت سأصدق أن الهدف من وراء هذه المبادرة وهو الاهتمام بالشباب واعطائهم أدوار قيادية في الدولة لو كانت السجون السرية وغير السرية خالية من خيرة الشباب والشيوخ وأصحاب الشهادات العليا والخبرات الوافية والكفاءات المشهودة المعتقلين لأنهم أصحاب رأي ولأنهم طالبوا بمجلس وطني منتخب ذوصلاحيات تشريعية ورقابية ..
هذا ولاننسى أن من في السجون بذلوا الغالي والنفيس لأجل هذا الوطن ، واثبتوا كفاءة وقدرة تجعلهم لو وضعوا في المناصب التنفيذية العليا لأظهروا ابداعات وانجازات لامثيل لها ..
خلاصة القول حول مبادرة الوزير الشاب " أن تمكين المرأة والشباب من المناصب القيادية في الإمارات يبدو انه صار مجرد دعاية للخارج والداخل أننا ننصف المرأة ، ونمكن للشباب ، فليست الكفاءة هي الحَكَم ، وإنما هي أمور شكلية تبهر الخارج ولاتقنع الداخل " .