جوزيف مكارثي عضو مجلس الشيوخ الأمريكي في الفترة بين ١٩٤٧م إلى ١٩٥٧م في إحدى خطاباته أمام جمعية نسائية ادعى أنه يمتلك قائمة من ٢٠٠ اسم لأشخاص يعملون في وزارة الخارجية الأمريكية يتهمهم بالعمالة مع الإتحاد السوفيتي فهم إما شيوعيون أو لهم علاقة بالاتحاد السوفيتي مما دفع الحكومة لفصل عدد كبير من الموظفين والتنكيل بهم واستجوابهم بتهمة الخيانة ، فكان كل شخص يُشك به يفصل وينكل به حتى من كبار خبراء وزارة الخارجية ، فعندما يكتب أحدهم تقرير متزن يعكس الواقع يتهم مباشرة بتعاطفه مع الشيوعيين ، وهكذا بتهم وقضايا وهمية وملفقة بدأ ينتشر داء المكارثية في المجتمع الأمريكي ودعمت المخابرات الأمريكية هذا الاتجاه وأصبح فرصة للتصيفات السياسية بين الخصوم ومن ذلك اليوم بدأت المكارثية في أمريكا وانتهت بعد عدة سنوات لكون المجتمع الأمريكي مجتمع حر يجدد نفسه عبر الديمقراطية ويستطيع من تلفق عليه التهم أن يتقاضى أمام قضاء مستقل ويستطيع أن يعبر عن رأيه بعكس مجتمعاتنا .
موجة مكارثية تشبه المكارثية الأمريكية تمر علينا في الإمارات فعند التأمل في الوسائل والأساليب التي اتخذتها المكارثية في أمريكا نجد هنالك تشابه شبه تام في الوسائل والأساليب المستخدمة ، حيث كانت طريقة جوزيف مكارثي قائمة على زرع الخوف من المواطنين الأمريكيين الذين يحملون الفكر الشيوعي ومن يتعاطف معهم عبر اتهامهم بأنهم خونة ولهم علاقات سرية مع الإتحاد السوفيتي والطعن في وطنيتهم تمهيداً لممارسة القمع والإضطهاد ضدهم وضد من يتعاطف معهم ، وهي نفس طريقة الخوف التي يزرعها جهاز الأمن الإماراتي في التخويف من الإصلاحيين عبر تخوينهم والطعن في وطنيتهم وانجازاتهم وذلك لتبرير القمع والتعذيب الذي يمارس ضدهم .
فالمكارثية هي توجيه اتهامات جماعية من غير دليل وهدفها الاغتيال المعنوي لكل معارض لسياسات الحكومة عبر توجيه كم من الاتهامات الكاذبة والملفقة بأدلة كاذبة وملفقة ، فهي تقوم على تزوير معلومات ونشر اشاعات يعمل الإعلام على تكرارها حتى تصنع رأي عام ضد فئة معينة في المجتمع أو ضد كل من يخالف الحكومة ، فنجد في الإمارات مثلاً يتهم كل من يخالف رأي الحكومة أو ينتقد فساد أو ضع سلبي يتهم بأنه من الإخوان أو بالخيانة والعمالة للخارج ، مع توجيه كامل لوسائل الإعلام الرسمية لمهاجمة وتخوين المواطنين بلا ذنب سوى أن لهم آراء وأفكار مختلفة عن فكر من يدير الحكومة .
تطورت المكارثية الأمريكية حتى أصبح كل من ينتقد المكارثية يعتبر شيوعي ويتهم بالخيانة ومن ليس معهم فهو ضدهم وكان من نتائجها فصل أكثر من ١٠ آلاف مواطن من الأمريكيين لمجرد شك أو تهم ملفقة وسجن أكثر ٢٠٠ انسان بتهم وأدلة ملفقة وقامت المكارثية بتقسيم المجتمع إلى أقسام وزرعت الخوف بين الناس ، خوف من أن يتهم وخوف من أن يمارس أي ممارسة تصنفه مع الشيوعيين ، وهذا مايحصل في الإمارات بحذافيره فكل من ينتقد ممارسات الحكومة وجهاز الأمن في تعاملهم مع الإصلاحيين هو “ أخونجي وخائن للوطن “ وقد يحاكم أو تنتهك حقوقه فقط لأنه وقف ضد موجة جهاز الأمن لذلك فإن أكثر الإماراتيين المعارضين لهذه السياسة القمعية يلتزمون الصمت حفاظاً على أنفسهم وعوائلهم ، ومن تطورات المكارثية في أمريكا أن كل مواطن أصبح مشكوك في ولائه حتى يثبت ولاءه مرة أخرى ومن لم يجدد ولاءه للحكومة فهو متعاطف مع الشيوعيين ، وهذه أيضا ذكرتني بالخيام التي تنصبها القبائل في الإمارات لتجديد الولاء !
فالمكارثية هي إذاً نشر فوبيا من فئة معينة في المجتمع لتبرير قمعهم وتجاوز القانون ضدهم وتصديق كل شائعة تروج على حساب سمعتهم ومكانتهم ، فهي إذا داء يقسم المجتمع إلى أقسام :
القسم الأول : هو الذي يصاب بالرعب فيتقمص هذه النظرية المكارثية ويبدأ بالهجوم على هذه الفئة المنكل بها خوفاً من أن يصنف من ضمنها او ان يحسب متعاطف معها.
القسم الثاني : هو صاحب المصلحة والمنفعة ويجد في الهجوم على هذه الفئة فرصة للتخلص من خصم سياسي أو فرصة لأن يكون قريب من الحكومة ويحصل من خلال هجومه على مصلحة أو منصب أو مال .
القسم الثالث : هو الذي تمارس ضده هذه المكارثية ويقمع وينكل بها وتشوه سمعته وقد يعتقل ويعدم ، وهذا القسم يرى في المكارثية علامة من علامات الإفلاس السياسي لدى القيادة السياسية وصموده في وجه هذه الحملات الأمنية والتشويه سيؤتي نتائج إيجابية ، فهم يستطيعون خداع الناس لبعض الوقت ولكنهم لايستطيعون خداع الناس كل الوقت.
خلاصة الأمر أن مايمر به الشرفاء من أبناء دعوة الإصلاح الإماراتية هو ليس أمر طارئ مستثنى ، استخدمه غيرهم وفشل ويُستخدم الآن ضدهم وسيفشل ، وقد لايكون الفشل لقوة يملكها الإصلاحيون وإنما هي هشاشة المكارثية القائمة على الأكاذيب والتلفيقات التي تمارس ضدهم ..
“ مع أن الإصلاحيون يمتلكون قوة الفكرة التي لايمكن أن تنهزم إلا أمام فكرة أخرى أقوى منها ، والفكرة لاتنهزم أمام الأكاذيب والإفتراءات “