"عندما سمعت عزف نشيدنا الوطني في أبوظبي دمعت عيناي، كان هذا المشهد مؤثراً للغاية بالنسبة لي". بهذه الكلمات استقبل نتنياهو أبطاله الفاتحين الذين فازوا بميداليات ذهبية في بطولة الجودو في أبوظبي.
في هذه الفرحة التي أبكت نتنياهو قاتل الأطفال تكمن خطورة التطبيع الذي تقوم به دول الخليج فما هو التطبيع ولماذا يبكي نتنياهو لأجل تحققه؟
التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مع منتسبي الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين أفراداً كانوا أم مؤسسات ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني، لأن هذه المشاركة تعطي هذا الكيان المحتل صفة الدولة على أرض مغصوبة ومسلوبة طرد شعبها منها ولازالوا على أمل العودة إليها، فأي اعتراف بهذا الكيان يعني مشاركة لهم في الجريمة وإعطاءهم الحق في كل ما ارتكبوا من جرائم بحق أرض بفلسطين وأهلها.
تطبيع دول الخليج مع الكيان المحتل لأرض فلسطين ما يسمى "إسرائيل" يطل علينا كل فترة عبر استضافات رياضية وثقافية تقوم بها دول الخليج كنوع من التطبيع مع الكيان المحتل بشكل معلن ومع تسريبات عن اتفاقيات امنية وتدريبات عسكرية مشتركة غير معلنة، ازداد في الفترة الأخيرة بشكل متسارع وكأن دول الخليج تريد أن تسابق الزمن لتصل إلى تطبيع معلن وكامل مع الكيان المحتل، وهنا تثار الكثير من التساؤلات حول التطبيع ولماذا نرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني؟
وحتى نجيب على هذا التساؤل يجب أن نعود إلى الوراء قليلاً وبشكل مختصر، لأن هناك من يطرح شبهات حول هذا الأمر من أبناء الجيل الجديد خصوصا ً، ويطرحها بحسن نية لا تصهين ولا عمالة كغالب النخب المثقفة التي تبرر التطبيع وتشارك حكوماتها فيه، هذه الفئة التي تستغرب سبب الرفض لموضوع التطبيع وتجد للتطبيع مبررات تبنيها على معلومات مغلوطة مصدرها النخب المتصهينة في غالبها وهي كذلك نتاج لحملة تصحيح المناهج التي قامت بها الحكومات الخليجية والعربية بطلب أمريكي بعد أحداث سبتمبر وأحداث الانتفاضة الثانية سنة ٢٠٠٠م حيث قامت بتهميش قضايا الأمة بشكل تدريجي وبدأت تركز على الجانب الوطني بشكل مبالغ فيه حتى تهيء الأجيال القادمة لمرحلة ما بعد التطبيع مع الكيان المحتل وتجعل كل تفكير المواطن الخليجي في قضايا وطنية قطرية، وتجعله بمعزل عن قضايا أمته التي تعتبر العمق الأكبر لوطنه الصغير، حتى أتينا إلى مرحلة أخطر وهي مرحلة تجريم المقاومة عبر الهجوم المنظم والممنهج على كبرى الحركات المقاومة للمشروع الصهيوني في المنطقة " حماس ".
عندما احتلت بريطانيا فلسطين ومنحتها لليهود الصهاينة كدولة لهم اعترف بها العالم الغربي في سنة ٤٨م وكان التحدي الوحيد أمام هذه الدولة المحتلة هو اعتراف الدول المحيطة بها، في بداية الأمر رفض العرب الاعتراف بالكيان المحتل رغم توسع الكيان شيئاً فشيئاً على الأراضي العربية حتى اتفاقية كامب ديفيد مع انور السادات عام ٧٧م والتي اعترف بإسرائيل بشكل رسمي وتبادل معهم السفراء، وهذا الاعتراف واجه اعتراضاً كبيراً من العالم العربي وقطيعة لدرجة إخراج مصر من جامعة الدول العربية لمدة عشر سنوات ولكن بعد السنوات العشر بادرت أكثر من دولة عربية لتبادل العلاقات مع الكيان المحتل بشكل رسمي ومنها الأردن في ٩٤م تبادلت السفراء مع الكيان المحتل وموريتانيا في ٩٩م، وفتحت عدد من الدول العربية كقطر وعمان والمغرب وتونس مكاتب للكيان المحتل على أراضيها ولكن أغلقته لاحقاً لأسباب متفاوتة أهمها الرفض الشعبي مع كل انتفاضة يقوم بها أهل فلسطين فينتفض العالم العربي معهم مما يضطر الحكومات إلى مراجعة علاقاتها مع الكيان المحتل.
ومما يلاحظ من هذا التاريخ الطويل في العلاقات مع الكيان المحتل أن الشعوب العربية كانت هي العائق الرئيس في تكوين علاقات مع الكيان المحتل وهو ما صرح به نتنياهو قبل فترة حين قال "أن أكبر عقبة أمام (هذا الكيان المحتل) ليس الزعماء العرب ولكن الرأي العام في الشارع العربي"، وهذا أمر حقيقي فالزعماء العرب وكيانه المحتل ولدوا من رحم واحد، وكانت ولازالت الشعوب العربية هي العائق أمام هذا الكيان المحتل بعد أكثر من ٦٠ سنة من إعلان هذه الدولة المحتلة التي تكتسب شرعيتها عبر الاحتلال والقوة، لذلك فإن الشعوب العربية والمسلمة تدرك أن الاعتراف بالكيان المحتل يعني التنازل عن أرض فلسطين لليهود الذين أتوا من كل بقاع الأرض واغتصبوا بيوت أهل فلسطين وأموالهم وأراضيهم، أهل فلسطين الذين شردهم هذا الكيان الغاصب في كل بقاع الأرض لازالت مفاتيح بيوتهم محفوظة لديهم يتوارثونها عبر الأجيال ، كذلك يدركون أن التطبيع يعني التنازل عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية والمسجد الأقصى أحد المساجد الثلاث المقدسة عند المسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتعي الشعوب أيضاً أن الاعتراف بإسرائيل يعني إلغاء حق العودة لأهل فلسطين الذين أبعدهم الاحتلال لدول الجوار ولدول العالم، فالمحتل كاللص الذي دخل إلى بيت أخرج أغلب أهله وترك غرفة واحدة لأحد أفراد المنزل وقال له يجب أن ترضى بالأمر الواقع وأن نعيش معاً في سلام، وهذا ما يروجه إعلام الأنظمة في الفترة الأخيرة وهو ما تقوم عليه مناشدات الدول على حدود ٦٧ و ٤٨، وهو أمر يجب أن يكون في وعي العقل العربي مرفوض تماماً، فلا وجود لدولة إسرائيل في الضمير العربي والمسلم وإنما هو كيان محتل يكتسب شرعيته بالقوة من المستعمر الذي سلب الأرض من أهلها ومنحها لهم.
هذه الأمور البديهية التي نذكرها من باب التأكيد عليها خصوصا بعد ظهور الكثير من الأصوات المتصهينة والتي تنادي بالتطبيع وتنسف كل الحقائق وتزورها، فكل عمل سيقومون به الأن هو لتزييف الوعي الذي يقف عقبة أمام هذا المشروع الغاصب، كلنا أمل بعد الله بوعي هذه الشعوب التي ستنهي هذا الاحتلال الجاثم على أرض فلسطين.